دعونا نرتب الأمور كما يلي:
رئيس منتخب، يتمتع بالشرعية، ويتميز بالأهلية الظاهرة والنظافة، اصطفاه أغلب الموريتانيين المقترعين ليقود دولتهم ويضطلع بأمرهم العام؛ لا يأخذون عليه مأخذا، ويؤملون في عهده آمالا عريضة...
وها نضع العداد على "الصفر" وننطلق مع رئيس جديد لا سابقة لنا عليه!
فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني... مرحبا!
**
فخامة الرئيس؛ في البداية لا بد أن تشعروا بأنكم ورثتم دولة في وضع كارثي، وأن أكثر من انتخبوكم يؤملون إنقاذهم من هذا الوضع، ومَن صوتوا لمنافسيكم كان الهروب منه ومقتُه دافعَهم الأساسي.
فبأي وجه من الوجوه ستنهجون نهج سلفكم المثير للجدل، وبأي حال يمكن أن تستبقوا أي شيء من دخن العشرية العجفاء... وأي شيء فيها يمكن أن يعجبكم ويبقيكم يوما واحدا على مسارها الخاطئ الفاشل؟!
حسنا. سنتجاوز ذلك العهد الذي اختطف هذه الدولة وعبث بكل شيء فيها: ابتداء من النظام الدستوري المدني وانتهاء بالرموز، ومرورا بالمال والمؤسسات...
والآن سنعتبر أن أسْرها قد فُـكَّ، وإرادتها قد تحررت... ونمسك عن الماضي، إمعانا في التفاؤل وتطلعا إلى المستقبل.
**
فخامة الرئيس، يستعرض المتملقون والمضللون والفاشلون الفاسدون أنفسهم أمامكم الآن في ثياب تنكر من الطهر والاحتفاء والاخلاص والإغراء... عارضين "خدماتهم"، قبل أن يحيطوا بكم كما يحيط السوار بالمعصم ويضطروكم للاعتماد عليهم هم أنفسهم اضطرارا.
سيكون من الصعب عليكم الفكاك من قبضتهم و"سحرهم" العتيد، بغض النظر عن رأيكم فيهم.
تتمثل خطة هؤلاء الملأ في مرحلتين: مرحلة الوداعة والإغراء؛ فلديكم مشاكل عاجلة ومهمات عظيمة تحتاج للعقول النيرة والاستعداد... وهم جاهزون لإيهامكم أن حلها بأيديهم وتسويتها المثالية جاهزة لديهم، مع أنهم على الأرجح كانوا سببها أو من أسبابها!
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة إيقاعكم في أسر حبائلهم، التي هي خلق "الأعداء" وتهويل خطرهم عليكم، وتحميلهم مسؤولية كل إخفاق، وكل فشل...
إن هدفهم الاستراتيجي وخبرتهم وإرادتهم هي في شيء واحد: أن يخلقوا لكم أعداء ويثيروا لكم خصوما حقيقيين أو افتراضيين... وحيث فشلوا في ذلك فإنهم على استعداد في النهاية ليكونوا هم الأعداء والخصوم... فسوف يستخدمون خبرتهم ومراكزهم والشيطان نفسه لإثارة المشاكل والأزمات والمؤامرات ضدكم...
سيقولون لكم إن الليبراليين سيأكلونكم، واليساريين يتآمرون عليكم، والقوميين يتربصون بكم والإسلاميين يأتمرون بكم ليخرجوكم، و"إيرا" تخطط لتشعلها عليكم، و"فلام" تسعى للانقلاب عليكم... وإن الشعب معكم على قمع الجميع وإقصاء الجميع ومحاربة الجميع...
فخامة الرئيس... كل شيء يبدأ من ذلك "الفخ" المنصوب أمامكم؛ وهو تمجيدكم والثناء المجاني عليكم، وعرض المشاكل والمصائب أمامكم في حلل سندسية وصور وردية لواقع سيئ لا تصلكم حقائقه، ولا تملكون سبيلا لسبر أغواره...
الذين يقيمون لكم معبدا مقدسا وعرشا من المجد الشخصي والقدرات الخارقة والمنجزات الوهمية... هم الخطر الحقيقي عليكم. فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون؛ وليس الذين سينتقدونكم ويشككون في جهودكم ويُحذرونكم... فلعيكم أن تعذروا هؤلاء على سوء ظنهم، وتحذروا أولئك من حسن ثنائهم!
**
بعد فترة كافية، حين نجد أن نفس الأسماء الفاشلة والعناوين الفاسدة، والوجوه الوقحة والألسن الحداد والطبائع القذرة... هي التي تتقدم طلائع وفدكم وتتصدر مشاهد عهدكم... فأيقنوا أنه من المستحيل أن يحسن الناس الظن بكم وينظروا بعين الانصاف إلى مجهوداتكم، مهما كان حسن قصدكم. فلتعذروهم حينها؛ لقد لسعتهم العقارب ولدغتهم الحيّات ونهشتهم الذئاب... فصاروا يشكون في الحبال وفي الحِملان...!
فيا فخامة الرئيس، تجاهل إغراءات هؤلاء، دون أن تستبدلهم بأمثالهم من الإمعات والمتزلفين المتملقين... ادفعوا عنكم الطرب للمدائح الرنانة والاستقبالات الصاخبة... وانبذوا مسالك القبلية والعشائرية، وغيروا مرجعية ثنائية الموالاة والمعارضة.
فالقاعدة الذهبية هي الابتعاد من الارتجال، والبحث عن الخبرة والاستقامة في الطرفين على السواء، ونصب القانون والعدالة والمساواة ميزانا لكل قرار وكل مشروع وكل أمر داهم...
ولأن المركزية الشخصية قاتلة، ولا يستطيع بشر أن يحيط بكل شيء، فإن اختيار الأصلح، كفاءة ونزاهة، ومنحه الثقة والصلاحيات والوسائل ثم مراقبته ومحاسبته، هي الطريق الأفضل والأصلح للبناء والتسيير.
ومن العدو الخفي، كالشرك الخفي، الذي يفسد على الحكام، ويغذي فيهم روح الغرور، ونوازع الظلم والفساد: اتباع العواطف وتتبع الاتجاهات الشعبوية دون تمحيص ولا ثباتٍ على ميزان العدل والمصلحة حتى لو وخز الخاصرة الشعبية.
نعم؛ لا بد من احترام الرأي العام، وتعهده بالحقائق والمعلومات في كل أمر عمومي مشاع... ولكن دون تقصُّد لما يشبع العواطف أو يلهبها فقط.
**
وهناك أمراض أخرى في الدولة أصبحت مميتة، مثل إهمال الأمور الصغيرة وتجاوز التفاصيل الأساسية، وغياب التنسيق وغياب روح المتابعة والاستمرارية في نسيج الدولة وتعاقب سلطاتها...
فالإدارة في هذه الدولة باتت أقرب إلى دوائر تربص منفصلة، متناقضة أحيانا؛ لأنها تسير بالأوامر الشفهية أو بنوازع الخوف والطمع في فلسفة المسؤولية والوظيفة الإدارية...
والنتيجة فوضى مهجنة، مضادة للاستمرار والتواصل، وقاتلة للمبادرة والإبداع...
فتلك هي الأمراض التي يعاني منها رأس الدولة، وهذه هي العاهات التي يعاني منها جسمها...
ولكم صحيح النظر وتوكل العزم... والناس في انتظار حل عويصات تحتاج المعجزات فعلا... بعد عقود من سياسات "تمشية الحال" السهلة، المهلكة!
نعيذكم بالله ونسأله لكم العون والتوفيق والرشاد والسلامة مما تقتحمون الآن من رواسب الفشل وحقول الفساد.
أعانكم الله ووفقكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق