لم تكن الحياة في العالم عشية مولده صلى الله عليه وسلم ، كحياة اهل هذ الزمان ،شكلا على الاقل، وان تقاسمت معها بعض الشعوب اليوم حالات الظلم والاقصاء والتهميش واستخدام القوة الفكرية والمادية لتا كيد تلك الحالات، ففي عصر مولده ،وخاصة في محيطه القريب اليه ،لم تكن الحياة تسير وفق منطق البشر، بل كانت اقرب الى طبيعة الوحوش الكاسرة والطيور الجارحة والشياطين الماردة ؛فساد الظلم والقهر وانعدم النظام ، وتوقفت همم السادة عند مطالب البطون وكرست انظمة العالم المسيطرة انداك الصورة المصغرة في مكة ، حاضرة الصحراء ومحج العرب ، فكان العدل مجرد شعار يخيف الجِبِلة المسيطرة ، ويهدد الفوضى ااسائدة ، مما نتج عنه صعود قوى الشر و الظلم وعصابات بث الرعب وكهنة ترسيخ اخلاق الوحوش الكاسرة ،والطيور الجارحة، والشياطين الماردة ،وهي الصورة نفسها التي تعيد طبقتنا المسيطر اليوم انتاجها وفرض سيطرتها ،ومواجهة كل محاولة للاصلاح وفق تجربة الخلق ماقبل مولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ، ولوانهم استمتعوا في هدوء بنتائج الحدث الاهم ، والمنعطف الحاسم ،لاكلو من فوقهم ومن تحت ارجلهم ،ولما مسهم من لغوب، لكنهم امَّنوا مخاوفهم واهملوا أمال اخوتهم في الجنس والشكل والنمط ،وصادروا مساهمة الاغلبية المسحوقة المستضعفة ، وحجبوا معارج التغيير، فنجح اصاحبنا في كبت التغيير لكن الذين عاصروا مولد الرحمة المهدات ،عجزوا عن حجب معارج السماء ،وانكسرت جبروتهم وطغيانهم امام رجل عربي امي يتيم ،خرج من صحراء موحشة خائفا يترقب أُمر ان يُسلم لله وان يستقيم وان يبلغ رسالة ربه .لذالك فحدث مولده ليس مجرد ذكرى عابرة، ولا فرحة غامرة، ولا احتفال كرنفالي غير سديد، بل ان ذكرى مولده اعادة ممتعة للحظة فارهة واحياء ميعاد زمني لن يتكرر، غَيَّر توجه البشر وحضاراتهم المخيفة، واكد افضليتهم على مخلوقات الكون، الذي اصبح اكثر امنا وامانا بفضل تعاليم نبي آخرالزمان عليه الصلاة والسلام، فكيف لا نحتفي بمولد من حررنا وعلمنا وهذبنا ونظم بالاخلاق والحق والعدل علاقتنا فيما بيننا ،وفيما بيننا و خالقنا ،وكيف لا نجدد في كل مرة دعوتنا للتمسك به هاديا وداعيا الى الحق وسراجا منيرا ،ونهتدي بهديه ونستنسخ تفاصيل حياته ونتمثلها .ان التغيير الذي احدثه محمد صلى الله عليه وسلم ،في المنظومة الكونية الكلية والخاصة، لا يزال ينتج ويتيح فرص التحرر ،ويبث قيم الحق والعدل وينشر مؤاخات اتباع الدين الاسلامي الخاتم ،رغم الحملات الشرسة المضادة ،ورغم تخاذل بعض الاتباع ،ورغم التشويه ؛ مما يحتم علينا كأمة التمسك بهديه ، والاحتفاء بمولده ،فهوطوق نجاتنا الذي بتكررذكراه ،نتخلص من ضعفنا من ذبول احاسيسنا ومن وهن تعلقنا بالحياة الكريمة ،لكل اصحاب الملة الواجدة، ونحن في الوطن الواحد اكثر حاجة للتمسك بذكرى مولده ،كحدث جامع يجنبنا التمسك بأساطير الاولين، الداعية الى التمسك بالعشائر والتخندق خلف متاريس التمييز، ودوائر التصنيف، وصوامع الطبقية المخلة ،ونحن احق بتجسيد صورة الانسان المكرم ،التي التقطتها ووزعتها عدسة الرسالة الخالدة ،حينما كان السلف ينهل من تعاليم الرسالة ليبثها في صدور المؤمنين بها وليتمثلها، ويطبقا ،لا ليكون مجرد قرص تخزين لا يقوى على تطبيق معارفه ولا بمشاركة الاخرين لها .اذا، فذكرى مولده عليه الصلاة والسلام ،منبه ناعم ورخيم وعزيز على قلوبنا ،يذكرنا بان سر نجاح الدعوة لم يكن في تكديس الثروة ولا في توفير وسائل الراحة، بل كان في جدية الايمان بها وتمثلها وبثها في صدور الرجال الاحرار لا الاتباع المؤجرين او المفتونين بقصة كرامة حدثت ليس لها شهود احياء ،او خارقة حظي بها بشري يترنح بين معارفه وممارسته ؛ فالله الله يابقية امة محمد صلى الله عليه وسلم ،فإنكم تبتعدون رويدا رويدا او تُبعدون عن محجته البيضاء رغم ان ليلها لا يزال كنهارها لا يحيد عنها الا هالك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق