من منا يستطيع نسيان تلك الوجوه الشاحبة لكبار سن أنهكتهم مسيرتهم الراجلة لمئات الكيلومترات ( 700 كلم )( 30 يوما / 1أكتوبر – 30 أكتوبر 2014 ) من مدينة ازويرات إلى انواكشوط لرفع شكوى فصلهم التعسفي من شركة الحراسات ، مسيرة مر عليهم خلالها في سيارته رئيس مجلس إدارة MSP التي فصلتهم من العمل وعمدة ازويرات آنذاك العقيد المتقاعد ولد بايه ( رئيس البرلمان ورئيس مجلس إدارة الشركة حاليا ) فسبقهم للعاصمة ، لتصدر الأوامر لوحدة من الدرك بمنعهم من دخول عاصمة بلدهم وتركهم على مدخلها في العراء يعانون من برد قارس ولدغ الأفاعي لمدة 45 يوما ، في أغرب حادثة وقرار خلال تاريخ البلد الحديث !
*ديكتاتورية MSP وسطوة أصحاب النفوذ*
بداية القصة ..
في شهر إبريل من سنة 2009 صادقت الجمعية الوطنية على القانون رقم 025/2009 القاضي بتنظيم النشاطات المتعلقة بالحراسة ونقل الاموال والرقابة، المعدل لإجراءات القانون رقم 66-144 الصادر بتاريخ 21 يوليو 1966 المتعلق بالحرس المحلفين من أجل أمن الشخصيات والممتلكات العامة .
هذا القانون يحدد حصرية صلاحية ممارسة مهنة الأمن الخصوصي لقدماء الجيش وقوات الأمن ، وبموجبه – وكلفتة من الرئيس السابق عزيز للمتقاعدين من الجيش والقوات الأمنية – تم إنشاء منسقية للأمن يديرها متقاعدون من الجيش وقوات الأمن ، منسقية ستقوم لاحقا بإنشاء المؤسسة الموريتانية للأمن الخصوصي MSP بترخيص صادر عن وزارة الداخلية رقم (2009-025) معتمدة على مئات العناصر ( العمال ) المنحدرين من صفوف الجيش الوطني و قوات الأمن الذين احيلوا للتقاعد من مؤسساتهم أو لديهم مانع طبي من مزاولة مهام حربية أو ما شابه ( Invalidité ) .
وفيما تولى العقيد المتقاعد سيدي ولد الريحه ( القائد الأسبق للدرك ) منصب المدير العام للشركة ، تولى العقيد المتقاعد ولد بايه رئاسة مجلس إدارتها، ومازال كل منهما محتفظا بمنصبه حتى اليوم ، وبتعليمات صادرة من رئيس الجمهورية آنذاك ولد عبد العزيز ، أوكلت جميع مهام حراسة وأمن الوزارات والإدارات والمؤسسات العمومية للشركة ( ما عدى وزارة الدفاع التي يتولى الجيش حراستها ووزارة الداخلية التي يؤمنها الحرس الوطني ) ، وستعقد الشركة اتفاقيات وعقودا مع أغلب المؤسسات لتأمين حمايتها ( شركات أجنبية، شركات التعدين ، شركات الاتصالات ، بعض البعثات الدبلوماسية والمنظمات بنوك ، ادارات ، فنادق ، … ) كما أوكلت لها مهمة تأمين نقل الشخصيات من وإلى مطار أم التونسي ، ولجأت لخدماتها ” إسكان ” قبل أشهر لحراسة ال 300 وحدة سكنية حتى يتم البت في شأنها ، …..
وقد هيمنت الشركة على جميع مهام الحراسة بالبلد وتم دمج شركات حراسة سبقتها للميدان فيها ، كما حصل عند افتتاح فرع لها بمدينة ازويرات منتصف 2013 حيث بدأ المكتب الجهوي للشركة عمله بترتيب لقاءات مع العمال السابقين في الشركات الأمنية المتعددة وطمأن – حينها – العقيد الطالب مصطف ولد الشيخ – رئيس فرع الشركة بولاية تيرس الزمور – عمال تلك الشركات الامنية – المتعاقدة سابقا في الولاية – بأن حقوقهم مصانة، ومستحقاتهم المالية المترتبة على تلك الشركات ستصرف لهم، وأكد لهم بأن الشركة الجديدة عبارة عن ” عملية تأميم وطنية للأمن الخصوصي” كما طمأنهم مساعد رئيس فرع الشركة بالزويرات الملازم المتقاعد داوودا أن الشركة ستتولى عملية إعادة هيكلة العمالة السابقة في الشركات الأمنية المتعاقدة مع اسنيم، ودمج عمالها في الشركة الجديدة ” التابعة لوزارة الداخلية ” .
بعد سنة تقريبا من التعهدات الآنفة الذكر، ستخل الشركة بتعهداتها وتضرب بها عرض الحائط ، فقامت في مرحلة أولى بفصل عمال الشركات الأمنية المدمجة 2014 ثم عاودت في مارس 2015 فصل عدد من عمالها في مدينة ازويرات بدعوى عدم توفر غطاء مالي لدفع رواتب لهم بعد أن أستغنت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم” عن خدماتهم بفعل إضراب عمالها .
*ديكتاتورية MSP سطوة اصحاب النفوذ*
الأدهى …
إن كانت الشركة فصلت عدة مرات عشرات العمال لأسباب مختلفة ومختلقة وينتمون غالبا لشركات حراسة سبقت إنشاء الشركة تم دمجها بها ، فالأدهى ما قامت به بعد ذلك من فصل تعسفي لأكثر من مئة ” عسكري سابق ” يمثلون النواة الأولى لانشائها والغرض من إنشائها أصلا ومنحها دعما حكوميا بمئات الملايين من المال العام ، وإصدار أوامر من قمة هرم السلطة لجميع الوزارات والمؤسسات العمومية بالشراكة معها مما در ويدر عليها مئات الملايين سنويا ( تتراوح بين 150 و 200 مليون أوقية ) فالهدف الأساسي من إنشائها ومنحها كافة أشكال الامتيازات كان – ومازال – تشغيل المتقاعدين من الجيش لتوفير حياة كريمة لهم لا تستطيع تعويضات التقاعد توفيرها لهم ، وكذلك العسكريين الذين تمنعهم أمراض أو إصابات من مزاولة مهام عسكرية ( Invalidité ) ويخرجون من الخدمة برواتب جد متدنية .
والأدهى من مما سبق ” استيراد ” الشركة لعمالة أجنبية لتحل محل العمال الوطنيين الذين أنشأت الشركة أصلا لتوظيفهم ، فقد قامت الشركة بجلب 25 عاملا من جنوب إفريقيا وإسناد مهمة حماية شركة تازيازت لهم في سابقة خطيرة وتعدي صارخ للقانون المنظم والمؤسس لها أصلا ، وكانت حجة الشركة بأن هذه العناصر ” المستوردة ” تتمتع بخبرة ومهارات في مجال الحراسة ، رغم أنه من بين عمال الشركة – والمفصولين – ضباطا وضباط صف مثقفين وحملة شهادات ( جامعية ) يمكنهم كسب أي مهارة بمتابعة تكوين إضافي في المجال !
*ديتكتاتورية MSP وسطوة اصحاب النفوذ*
المشكل حاليا…
ظل عمال الشركة لسنوات يتلقون رواتبهم كعمال في القطاع الخاص، ومع بداية سنة 2016 اكتشفوا بأن وضعيتهم وضعية عمال للوظيفة العمومية فالشركة سن قانون لها وتتمتع بكافة أشكال الدعم المالي بالعقود ” التأمينية ” لكل مؤسسات الدولة، كما أن الإتفاق المبرم بينها والدولة ينص على *الإعفاء من الضريبة على الراتب وكذا الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة TVA* وهو ما يفيد إلزامية استفادة العمال من هذه الإعفاءات وليست منحة لإثراء الشركة ومديريها على حساب العمال ، وتدخل هذه الإعفاءات والامتيازات والدعم من الدولة للشركة في إطار توحيد معايير التعامل ما بين الشركة ومؤسسات وهيئات الدولة .
فبدأ العمال بالمطالبة بحقوقهم – والحال هذه – من حيث مستوى الرواتب وظروف العمل ، وللسهر على تحقيق مطالبهم قام بعضهم بمبادرة إنشاء نقابة وهي مهمة تولاها كلا من أحمد سالم المامي كعباش والنقيب سابقا محمد يحي عبدي ، وحصلت النقابة الوليدة ” نقابة وكلاء ومهنيي الأمن الخصوصي ” على ترخيص من وكيل الجمهورية لدى محكمة ولاية انواكشوط الشمالية ( الصورة ) ، ويشار بأن عمال الشركة أكثر من 3000 عامل لم تكن لديهم نقابة !
كانت ردة فعل إدارة الشركة جد متعجرفة ومخالفة لقوانين الشغل المعمول بها وحتى لقوانين وعقود الشركة ، حيث قامت بعملية فصل جماعي لأكثر من 100 عامل ، وحاولت تبرير قرارها بحجة جد واهية وهي تتعلق بعمر المفصولين متناسية بأن الغرض الأساسي أصلا من إنشائها كان تشغيل المتقاعدين !
وحتى على صفحة الشركة الرسمية تتباهى وتحاول جذب الزبائن بأن عمالها من متقاعدي الجيش وقوات الأمن ( الصورة ) .
بعد مراسلات بين النقابة والإدارة حول هذا الفصل الجماعي التعسفي ( صور المراسلات ) ستتخذ إدارة الشركة قرارا ثانيا ينم عن مدى غطرسة إدارتها يقضي بفصل النقابيين المامي كعباش ومحمد يحي عبدي ( صورة لقرار الفصل ) ، وليس هذا فقط فقد أرسلت إدارة الشغل تعميما لمفتشية الشغل تطالبها بعدم استقبال أي شكاية من العمال المفص
ولين ونقابتهم ( صورة للتعميم ) في سابقة هي الأخرى من تحدي القوانين وتسخير المؤسسات والمصالح الوزارية لخدمة متنفذين وقراراتهم الجائرة !
بعد رفض مفتش الشغل لدعاوي العمال عبر نقابتهم بحجة عدم الإختصاص ومن بعده وزير العمل الوظيفة العمومية – آنذاك- سيدنا عالي ولد محمد خونه ، رفع المتظلمون القضية أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا التي قضت بإلغاء ” القرار السكوتي ” للمفتشية ، وتم على إثرها الترافع أمام المحكمة بعد فشل عدة ” جلسات مصالحة ” بين إدارة الشركة ونقابة العمال .
قامت النقابة والعمال عبر مكتب الأستاذ المحامي ابرهيم ولد ابتي برفع دعوى ضد الشركة أمام محكمة الشغل منذ شهر تقريبا ( صورة لعريضة الدعوى ) مطالبين بارجاعهم لعملهم الذي فصلوا منه تعسفيا وبحجج واهية وتعويضهم المادي والمعنوي عن مدة الفصل .
يشار إلى أن إدارة الشركة رفضت الاستجابة لدعوات وجهت لها خلال المراحل الأولى من الشكاية ، وفي المرات التي حضر ممثلون لها حضروا جسديا فقط ، في تجسيد واضح لتعالي المتنفذين على القوانين ومؤسساته واحتقارهم لها .
ملاحظات :
– نظم العمال المفصولين عدة وقفات أمام المحكمة العليا ( الصورة ) وأمام أماكن القرار للفت الإنتباه لمظلوميتهم ، فمنهم من لديه عقد عمل دائم ومنهم من لديه عقد حتى سنة 2021 وتم فصلهم بالطريقة وللسبب المذكورين آنفا ، ومع ذلك لم تتحدث أية وسيلة إعلامية عن قضيتهم وعاملتهم بالتجاهل والتعتيم كما دأبت مع كل القضايا العادلة بالبلد ومظالم المواطنين .
– قرار إنشاء الشركة المتضمن أولوية العمل بها للمنحدرين من المؤسسات الأمنية ليس بدعا في المجال ، ففي دول كثيرة مثل هكذا قرار بل وأكثر صرامة في اختيار عمال شركات الحراسة كما هو معمول به في بعض الدول الغربية ، ففي بلجيكا مثلا تم اعتبار كل ما يتعلق بحراسة المنشآت العمومية – وحتى الخاصة – يمس من الأمن القومي للبلد ، وهكذا صودق على ” قانون Loi Tobback ” سنة 1990 وتم التشديد فيه سنة 2017 ب ” قانون Loi Jambon ” ( القوانين تحمل أسماء وزراء داخلية ) ينص هذا القانون على أنه وحده حامل الجنسية البلجيكية أو جنسية إحدى دول الإتحاد الأوروبي يحق لهم العمل في مجال الحراسة وتأمين المنشآت حتى تلك الخاصة منها ( شركات ، أسواق ، سيبر ماركات ….) ناهيك عن المنشآت والمؤسسات العمومية، وحتى المقيم بشكل دائم ومتزوج من بلجيكية ولدبه أطفال لا يحق لأية شركة حراسة وطنية أو أجنبية تعمل بالبلد اكتتابه .
وكانت النقابة قد أصدرت بيان تنديد – في حينه – ب ” استيراد ” عمالة اجنبية لتحل محل العمالة الوطنية ( صورة للبيان ) .
– كل الشركات العمومية وشبه العمومية بالبلد ، تعيش في ظل ووضع ” شبه خصخصة ” لمتنفذين ومقربين من رأس هرم السلطة ، يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه .
– كنت قد توقفت عن نشر سلسلة الأربعين حرامي ( ملفات فساد المتنفذين وأفراد عائلاتهم ) لأعطي وقتا لنشر الفساد في الشركات العمومية ( ملفات الفساد في الشركات ) إضافة للدلو بدلوي في قضايا آنية بالبلد كقضية الأدوية المزورة ومشكل الطلاب ، وأظن بأنه صار علي العودة لنشر تلك الملفات وسيكون ملف ولد بايه مقدما في النشر إن شاء الله .
حسن آب
*ديكتاتورية MSP وسطوة اصحاب النفوذ*
الإعلامي أمم ولد بزومه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق