بموازاة سكة قطار، حطت أكثر من مئتي عائلة نازحة رحالها، في رحلة لا تشبه البتة رحلات القطار؛ فهؤلاء النازحون لا يدرون بعد أين تأخذهم أقدارهم ولا يعرفون ما هي آخر محطة لهم.
وبعد أن امتلأت المخيمات في الشمال السوري بالنازحين الفارين من قصف النظام وروسيا والمجموعات الإرهابية التابعة لإيران، بات الناس يبحثون عن أي مساحة فارغة يمكن أن ينصبوا عليها خيمهم المهترئة.
ونصب النازحون خيمهم بشكل متجاور واحدة تلو الأخرى ليوازي سكة الحديد الذي كانت في السابق تربط بين مدينتي حلب واللاذقية.
على تلك السكة الواقعة في منطقة "خفض التصعيد" بإدلب، يجتمع النازحون يسلون بعضهم البعض، ويلعب الأطفال فوق الطين الذي كسا السكة ومحيطها.
يعيش النازحون في هذا التجمع في ظروف قاسية جدا حالهم كحال مئات آلاف آخرين لم يجدوا مخيما يستوعبهم، فافترشوا الأرض والتحفوا السماء.
ورصدت عدستنا من الجو تجمع الخيم المصطفة إلى جانب بعضها البعض حول السكة، وكأن سكان تلك الخيم ينتظرون القطار ليعيدهم إلى ديارهم التي هُجروا منها.
وأفادت النازحة عيوش حسين أم علي، لمراسلنا، بأنها اضطرت إلى النزوح من بيتها قبل 3 سنوات بسبب قصف النظام وحلفائه لبلدتهم، مشيرةً إلى أنها تنقلت في رحلة النزوح من مكان إلى مكان خلال الفترة الماضية حتى وصلت إلى هنا.
وأشارت أم علي إلى أنهم اختاروا سكة القطار لوضع خيمهم فيها لأنها مرتفعة عن الأرض نسبياً ومستوى الطين فيها أقل، لافتةً إلى أنهم كانوا يعيشون في بيت واسع تركوه ورائهم.
وأعربت أم علي عن حزنها من الحالة المتردية التي يعيشونها، وأضافت: "هذا قدرنا المكتوب علينا، وهذا حالنا، أصبحت رؤية بيتي مجددا أكبر حلم؛ فبدون قريتي أصبحت أشعر بأني بلا وطن".
وتابعت: "نمني أنفسنا بالعودة إلى ديارنا، فقد اشتقت لحديقة بيتنا وأشجارها التي كنا نهتم بها ونقلمها".
وأوضحت أم علي أنها من بين المحظوظين الذين وجود مكانا في محيط السكة، معربة عن أملها أن يعود الجميع إلى بيوتهم.
من جانبه، قال النازح أحمد سنجاري إنهم عندما فروا من قصف النظام، وجدوا أن السكة ومحيطها هي المكان الأنسب لتجنب السيول والطين فقاموا بنصب خيمهم عليها، لافتاً إلى أن من يجد مكاناً فارغا علا السكة يستقر فيه.
ولفت سنجاري إلى أن النازحين سئموا من حياة الخيم، متمنياً العودة إلى الديار في أقرب وقت.
وقتل أكثر من 1500 مدنيا جراء هجمات النظام وروسيا على منطقة خفض التصعيد، منذ 17 سبتمبر/أيلول 2018.
كما أسفرت الهجمات عن نزوح أكثر من مليون مدني إلى مناطق هادئة نسبيا أو قريبة من الحدود التركية.
وفي مايو/أيار 2017، أعلنت تركيا وروسيا وإيران توصلها إلى اتفاق "منطقة خفض التصعيد" في إدلب، في إطار اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري.
ورغم تفاهمات لاحقة تم إبرامها لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وأخرها في يناير/كانون الثاني الجاري، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق