علي الرغم من موقفي المبدئي المعروف الرافض لاي دور لقادة الجيش في الادارة السياسية للبلاد.الا ان ما لمسته من مصداقية ومن حضور مشهودين لدي مرشح الموالاة الجنرال غزواني جعلني اعيد النظر في موقفي من ترشح هذا الرجل رغم كونه جنرالا متقاعدا. خصوصا بعد تلاوته مؤخرا لخطاب ترشحه الفائق الروعة في صياغته وتوازنه وعمقه وشموليته وسلامته اللغوية واختصاره ايضا. ولما كان لهذا الخطاب من عظيم الاثر في انارة الراي العام حول شخصية الرجل وكارزماه ورزانته وفصاحته ووضوح رايته و ثقته الجلية في نفسه.
نعم لقد كان هذا المرشح موفقا الي حد بعيد في خطابه الاخير الذي كان اشبه ما يكون ببطاقة تعريف وتقديم مشرفة له امام الشعب بمن فيهم معارضين كثر لرفيق دربه وداعمه البارز الرئيس المنتهية ولايته السيد ولد عبد العزيز.. مما جعلني اعيد الاستماع اكثر من مرة لهذا الخطاب محاولة مني لقرائة ما بين سطوره بعد ان سجلت ما تيسر لي فهمه من لغة جسد هذا المرشح قبل واثناء وبعد هذا الخطاب الذي سميته بخطاب العشرية. لانه اول خطاب اسمعه في هذا العقد علي لسان رئيس او مرشح رئاسي جدير بالقرائة والتحليل والتمحيص...و ذلك لخلوه من لغة الخشب وعبارات السوق التي عودنا عليها بعض اسلافه.
واضح ان الرجل اثبت انه يتمتع بكل ما تتطلبه القيادة من قوة ونضج وهدوء وبعد نظر. كما انه اثبت بحنكة ولباقة انه ليس مجرد ظل كما كان يعتقد البعض.بل رجل دولة وسياسة من الصف الاول وحامل لمشروع مجتمعي اوضح بجلاء خطابه الرائع معظم ملامحه وسماته المميزة.
اقولها وبصدق لقد فاجئني الرجل كغيري من الساسة المعارضين لما يسمي بالحزب الحاكم UPR بفحوي خطابه وطريقة القائه وترتيب محاوره وعقلانية وواقعية طرحه وتمكنه من اللغة الي درجة دفعتني الي تناول هذا الخطاب تحليلا وتمحيصا بغية الوقوف علي ما ورد فيه او اثنائه من افكار واشارات صريحة او ضمنية. الامر الذي مكنني من الخروج بجملة من الملاحظات والاستنتاجات حول رأية هذ الرجل والمشروع المجتمعي الذي يبشر به. ساحاول استعراضها في ما يلي في محورين اثنين :
1)راية المرشح
لقد اعطتني متابعتي لهذا الرجل وهو يلقي خطابه الاول امام الجماهير انطباعا ان هذا المرشح الرئاسي ليس بالبساطة التي كان يظن البعض. علي العكس فنظرة الرجل واحساسه بهموم الناس ووعيه لمشاكل البلد وازماته الي جانب ما اتضح انه يتمتع به علي الصعيد الشخصي من مصداقية وحضور ربما لانحداره من مدرسة سياسية ودينية واخلاقية وقيمية متميزة. كل ذلك مكنه من لفت انتباه الجميع ومخاطبته.معارضة وموالاة شيبا وشبابا بدوا وحضرا عمالا وفلاحين.فكل من سمع الخطاب وجد فيه اشارة تعنيه.
ففي معرض حديثه عن الانظمة السابقة وعلي نحو غير معهود كان لافتا جدا في تميزه بوروح التسامح والانفتاح والحيطة والحذر في نفس الوقت. حيث اكد ان كل حكام البلاد السابقين كانت لديهم اجابيات كما كانت لهم سلبيات. واخفاقات ولم يشيطن تلك العهود كما كان يفعل حكام آخرون. ايضا تطرق غزواني الي موضوع اعادة توزيع الثروة علي اسس اكثر عدلا ملمحا الي ان التمييز الوحيد المقبول في عهده هو ذلك التمييز الاجابي الذي سيمارس في صالح بعض الفئات التي عانت ظلما تاريخيا وحيفا. في اشارة واضحة منه الي شرائح بعينها كالشريحة العربية السمراء الطيبة (لحراطين)مثلا.
وهكذا توالت الاشارات في هذا الخطاب علي نحو بعث الارتياح في نفوس كثيرة كانت تخشي استمرارية النهج الفوضوي الارتجالي الذي كرس في عهد الرئيس الحالي. وفي مجال السياسة الخارجية رصدت اشارة ذكرتني بموقف حكومتنا الحالية الارعن من الازمة الخليجية. حيث صرح المرشح غزواني بما يفهم منه انه يرفض دبلماسية او سياسة المحاور.الي غير ذلك من الاشارات الموفقة في معظمها.
. باختصار لقد ترك الرجل انطباعا غاية في الاجابية لدي معظم الذين تابعوا هذا الخطاب المصاغ بعناية فائقة لم نتعود عليها في خطابات الحكام والمرشحين في المراحل السابقة.الشيء الذي ان دل علي شيء فانما يدل علي حنكة وبصيرة ووضوح في الراية من فاجئ داعميه وانصاره قبل مناوئيه.
الشيء الوحيد الذي لم يتعرض له الجنرال المرشح بما يكفي رغم اهميته القصوي حسب رايي هو طبيعة علاقته المستقبلية مع المؤسسة العسكرية.وموقفه الشخصي من الدمقرطة الحقيقية للبلاد.خاصة انه يعلم اكثر من غيره ان مشروعنا الدمقراطي متعثر الي حد بعيد منذ عدة سنوات.
2)مشروع الجنرال المجتمعي:
لن يجد من تابع هذا الخطاب بشيء من التركيز والانتباه كثير عناء في معرفة طبيعة المشروع المجتمعي الذي وضع الجنرال ملامحه في هذا الخطاب غير التقليدي.
فمثلا عند ما يضع الرجل اصبعه علي الوجع ويعترف ضمنيا بوجود فوارق اجتماعية بين ابناء الشعب الواحد. وبوجود هوة عميقة بين الاغنياء والفقراء وان هناك سلبيات الي جانب اجابيات في جعبة كل الانظمة السابقة دون استثناء. مشيرا في نفس الوقت الي ان هناك حاجة ماسة الي اصلاح شامل لاوضاع البلاد والتخفيف من معاناة الشعب واشعار المواطن بحماية الدولة وبخدماتها المختلفة اضافة الي تعميم استفادة جميع افراد الشعب من خيرات بلادهم الكثيرة.كل ذلك انما يدل علي ان الرجل انطلاقا من نظرته المشار اليها سابقا وتشخيصه المبني علي تلك النظرة لديه تصورات ومقاربات يستحيل تطبيقها علي ارض الواقع الا اذا كانت هناك استراتجية شاملة لمباشرة تغيير عميق في هيكلة الدولة وآليات اتخاذ القرار فيها بل واحداث انقلاب حقيقي في المناهج والممارسات التي اعتمد اسلافه والتي ادت بالبلاد الي الفشل المدوي الذي تعيشه اليوم.. الامر الذي يشي حسب رايي بنية مبيتة لدي الرجل لتغيير شامل لاوضاع البلاد. وهنا اجهز غزواني علي المعارضة اجهازا قاضيا.
ومن الجدير بالذكر ان الجنرال قال كل شيء تقريبا دون ان يشوش علي علاقاته برفيق دربه وحليفه الرئيس الحالي. لانه كما يبدو لا يري مطلقا تناقضا بين الوفاء لرفيقه واحداث التغييرات التي يتطلع اليها الشعب برمته.
عموما الرجل كان واضحا في التزامه للناخبين وللشعب في هذا الخطاب باطلاق اصلاحات كبري بل وشدد علي ان هذا تعهد من رجل يحترم تعهداته لانه يعرف جيدا ماهو معني العهد وماهو معني الالتزام.
باختصار اذا اردنا تلخيص هذا المشروع في كلما. سنقول والله اعلم ان هذا المرشح الواسع الثقافتين العصرية والاصلية و الذي بدي بسيطا ومتواضعا يريد مجتمعا اكثر عدلا وهذا احد اهم مطالب الشعب.والعدل لا يمكن تحقيقه دون مساوات وحرية وبطبيعة الحال دمقراطية حقيقية ذات مصداقية وحكامة رشيدة.وخاصة حكاما يكونون خدما للشعب وليسوا سادة له او عليه!!
من اجل كل ذلك اصبحت شخصيا اميل الي القول ان هذا المرشح قد يكون هو اكثر اسم تم تداوله حتي الآن قدرة علي تجسيد التغيير الحقيقي الذي يحلم به الشعب. علي نحو يعيد الاعتبار للدولة المورتانية ولمؤسساتها المتهالكة ويقود الي اصلاح ذات البين بين مختلف مكونات الشعب وبين المواطن والدولة و فرض عدول الدولة عن استقالتها الخاطئة من ادوارها الاجتماعية الحيوية
اقول ذلك مع انني شخصيا كما هو معلوم كنت اتمني ان يكون هناك مرشح مدني من خارج الطبقة السياسية التقليدية يكون قادر علي منافسة مرشح النظام ايا كان. لكن تخاذل المعارضة وما تعانيه من استنزاف وضعف وتشرذم الحركات والتيارات الشبابية الي جانب توفيق الموالاة الصارخ في اختيار مرشحها الجنرال غزواني
رغم خلفيته العسكرية كلها امور حالت دون وجود مرشح من هذا القبيل....
اللهم ولي علينا خيارنا.
ذ/سيد امحمد محمد فال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق