مدرج مطار "بوناكه" شمال مقاطعة واد الناقة
منذ حوالي 10 سنين تحولت دول غرب إفريقيا إلى ملتقى طرق عالمي لتهريب الكوكايين من دول أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، بسبب انتشار الفقر و ضعف أجهزة دول المنطقة و تواطؤ أنظمتها.
الطريق السريع أوتوروت (A10) :
هو الاسم الذي يطلقه خبراء المجال على أهم طرق تهريب المخدرات، على طول خط التوازي الـ10، قبل أن يرتفع عبر الصحراء إلى أوروبا.
تأتي المخدرات في بواخر إلى خليج غينيا أو في رحلات جوية مباشرة من فنزويلا إلى موريتانيا، حيث يتم تخزينها ، ثم إعادة توزيعها و نقلها إلى الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
و يرى خبراء مكافحة المخدرات أن الصراع في مالي أربك أهم طرق تهريب الكوكايين عبر منطقة الساحل إلى أوروبا، لكن المهربين تكيفوا بسرعة مع الحالة و غيروا معابر التهريب. و يقول الخبير الفرنسي آلين روديي (Alain Rodier) ، و هو ضابط مخابرات متقاعد و مدير البحوث في المعهد الفرنسي للبحث حول الاستخبارات (CF2R)، إن 10% من الكوكايين التي تصل أوروبا تمر عبر إفريقيا، مضيفا أن ثورات الربيع العربي في تونس و ليبيا و الصراع في مالي زعزعوا استقرار طرق تهريب الكوكايين لكن المهربين أظهروا قدرتهم على التكيف و عبدوا طرق تهريب أخرى.
مطارات و مهابط
بواخر في عرض المحيط، زوارق تمخر عباب البحر جيئة و ذهابا، أفواج جراد من الطائرات الصغيرة ذات المهام الغامضة، أرتال من رباعيات الدفع، كتائب من المغامرين المشهورين و ضعفهم من الأسماء المستعارة .. مطلوبون دوليا و إقليميا و محليا للعدالة.. فنزويليون و كولمبيون .. جزائريون و مغاربة .. أزواديون و غينيون و ماليون و موريتانيون..
بارونات و سماسرة و وسطاء و منفذون .. مروجون و باعة و فيالق للتمويه .. ضباط و موظفون سامون و رجال أعمال و تجار .. فنادق و شقق فاخرة و تراخيص تجارية للإيراد و التصدير و طوابير من أبناء البلد تم التغرير بهم و جرهم إلى عالم المخدرات بالتساهل التدريجي حتى تحولوا إلى مطلوبين دوليين بدل الفاعلين الحقيقيين المتحصنين في أحضان النظام أو القابضين على السلطة.
ـ بعدما أصبحت أمريكا تحاصر غينيا و تعترض باروناتها في عرض البحر للقبض عليهم،
ـ بعد الحرب في مالي و ارتباط الإرهاب و التهريب فيها، مما جعلهما هدفا مشتركا للقوات الفرنسية،
تحول النشاط إلى المياه و الأجواء و الحدود البرية الموريتانية ، لتسقط هي الأخرى كما حدث في غينيا في مأزق فوضى بلا قاع ، تغيب فيه سلطة الدولة و يتحول القانون إلى حامي للجريمة و يصبح الجميع متهما في غياب أي أدلة بسبب غياب الدولة و تغييب القانون و تورط الجميع.
كل ملامح بداية سقوط غينيا في وحل المخدرات أصبحت بارزة للعيان في موريتانيا :
ـ كل القرائن تدل على تورط رأس النظام و أجهزة الدولة المتخصصة في مجال مكافحة المخدرات:
ـ تصرفات القضاء و ارتباكه و تجاوزاته للمساطر القانونية يدل على التغطية على رأس النظام
ـ لا أحد يستطيع فهم تعاطف ولد عبد العزيز مع مجرمي المخدرات و تكريمهم بالعفو العام، باستمرار
ـ لا أحد يستطيع فهم استقبال كبار بارونات المخدرات المطلوبين دوليا، في القصر الرئاسي الموريتاني
ـ لا أحد يفهم دواعي توافد هذه الأسراب من الطائرات الصغيرة كأمواج الجراد، على موريتانيا
ـ لا أحد يفهم كيف تحول مئات الأشخاص في موريتانيا من الفقر المدقع إلى الغناء الفاحش بين عشية و ضحاها.
ـ لا أحد يفهم ما حاجة أبناء الرؤساء الموريتانيين المدللين إلى الانخراط في مثل هذا النشاط مسدود الطريق حتما في النهاية..
لقد أصبح شعبنا البريء يعيش في كابوس حقيقي بسبب انعكاسات جرائم المخدرات : السطو المسلح في وضح النهار، اختطاف الفتيات على غرار المشاهد السينمائية، الاغتصاب، القتل لأتفه الأسباب،
لقد أصبح من الواضح من خلال المعطيات المبينة في هذا التحقيق، أن هناك ثلاث أجنحة للمخدرات في البلد :
1 ـ جناح فرنسي غامض : محمي من النظام، يقوده طيار فرنسي متقاعد، (مدرب في مركز سينت إيكسيبيري في نواكشوط)، يحظى برعاية و حماية محمد ولد عبد العزيز و بعض الضباط الكبار (وردت أسماء بعضهم في هذا التحقيق مثل غزواني و المقدم باهي و ولد لكحل) و يضم رجال أعمال و تجار و مقربين ، يصعب اكتشافه و لم ترد أسماء قادته في أي تحقيق أمني في البلد نتيجة ارتباطه برأس النظام.
يهتم هذا الجناح بالحصول على المخدرات في موريتانيا و إفريقيا بالشراء و المصادرة و نقلها إلى أوروبا عبر أسراب من الطائرات الصغيرة تابعة لأندية طيران فرنسية و غيرها، تختلق مهام سياحية و ثقافية و تدريبية في موريتانيا للتغطية على أنشطتها.
2 ـ جناح يقوده أزواديون و إرهابيون في المنطقة، يعرفهم الجميع في البلد و تعرفهم أجهزة الأمن، تظهر أسماؤهم في كل التحقيقات و تختفي في أروقة القضاء بذرائع أصبح الجميع يعرفها ..
3 ـ جناح يقوده فنزويليون و كولومبيون و مغامرون موريتانيون (رجال أعمال و تجار ) ، هم من يسقطون في كل مرة في أيادي الأمن حين تكون جهات أمنية أجنبية (أمريكية و فرنسية على وجه الخصوص) هي من يخبر عن قدوم شحنات تابعة لهم .
لا يريد الجناح الأول قتلهم لأنهم هم مصدر إيراد تجارته و لا يريد سيطرتهم لأنهم منافسوه . و لهذا يعمل على تقليم أظافرهم من حين لآخر دون العمل على القضاء عليهم. و هذا يعني أن كل الشحنات المصادرة من الجناح الثاني و الثالث يتم تصديرها من قبل الجناح الأول ، بعد ادعاء النظام إحراقها بعد القبض على الصف الثاني من عصابات تهريبها.
قد تخطئ هذه القراءة في بعض التفاصيل الجزيئة لكنها مؤكدة في خطوطها العريضة ؛ فالجناح الأول لم يسقط منه أحد من قبل و لم يسمع أحد عن أباطرته من قبل، (حتى لو كان بعضهم معروفا لدى الجميع مع غياب الأدلة أو تغييبها على الأصح) عكس الجناحين الأخيرين الذين يتضح أن النظام لا يقبل سيطرتهما و لا يريد قتلهما لأن جناح النظام لا يستورد من الخارج بل يعتمد على إيراد المخدرات من قبل الجناحين الأخيرين. و هذا ما جعل النظام يدخل من حين لآخر مع الجناح الأزوادي في مواجهات مسلحة، تنتهي بمصادرة المادة و إطلاق سراح إصحابها مقابل فديات صغيرة.(قضية لمزرب) أو مع جناح أمريكا الجنوبية (مثل طائرة نواذيبو و الملف الأخيرة المعروض الآن على العدالة الذي ضبط فيه سيدي محمد ولد هيدالة فيما تم تهريب الأزواديين المشاركين فيه من قبل أحميده ولد أباه كما تم التعتم على أهم باروناته أي الفنزويلي غارسيا الذي تم توقيفه قبل ثلاثة أشهر من انفجار القضية من دون تقديمه للعدالة و لا يعرف الآن هل تم تهريبه هو الآخر أو ما زال مسجونا خارج العدالة.
مساء السبت 29 يناير 2016، قامت وحدة من الشرطة باعتقال سيدي محمد ولد هيدالة و اقتادته من بيته في مقاطعة تفرغ زينه بحي “بيغ ماركيت” على طريق نواذيبو إلى مفوضية مكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية.
ـ بعد القبض عليه بساعات، أعلن الاستنفار في الجيش وأجهزة الأمن و بدأ الحديث عن القبض على عصابة كبيرة لتهريب المخدرات، في مخيم أقامته للاستجمام، والتمويه على بعد 200 كلم شمال نواكشوط على ضفاف المحيط الأطلسي.
و تناقلت وسائل الإعلام في الساعات الموالية، أنباء عن 36 متهما، تم تحديد أسماء 11 منهم و الحديث عن 2 يتم البحث عنهم و ضبط حوالي 40 سيارة و 2 طن من الكوكايين تم توزيعها على 80 طردا قبل حملها في سيارات عابرة للصحراء، تمت مصادرتها في عين المكان ، كان قد تم انزالها على الشواطئ الموريتانية، من باخرة خارج المياه الإقليمية، بواسطة زورقين يقودهما موريتانيان و استلمتها ثلاث سيارات رباعية الدفع كانت في انتظارها على الشاطئ. تلك هي كانت الرواية الرسمية التي وزعها النظام على وسائل الإعلام التابعة له و تم تداولها بشكل واسع في مختلف وسائل الإعلام بالبلد. و ننسى مع هذه التفاصيل الدقيقة أنه لم يتم توقيف الزورق و لا تحديد هويات من يقودونه و لم يتم اعتراض الباخرة و تحولت الأربعين سيارة إلى ثلاث سيارات كما جاء في مؤتمر وزير الداخلية ثم تحولت إلى 7 في حديث وزير العدل..
ـ ألغى الرئيس محمد ولد عبد العزيز زيارته لمصر و عاد على جناح السرعة إلى البلد من أثيوبيا حيث كان يحضر القمة الإفريقية و عقد اجتماعا فور وصوله (مساء الأحد 31 يناير 2016م ) مع قائد أركان الجيوش ومدير الأمن الوطني وقائد الدرك وقائد الأمن الخارجي والتوثيق لاستعراض المعلومات الجديدة حول العملية، حسب ما نقلته جل وسائل الإعلام المقربة من النظام.
و في أول حديث لها عن الموضوع، جاء في موقع التلفزة الوطنية (الرسمية) على الأنترنيت، بعد يومين: “صادرت السلطات الأمنية مؤخرا كميات كبيرة من مادة الكوكايين كما تم القبض على عصابة تمارس تهريب المخدرات” (من دون تحديد الكميات و لا النوع و لا الخوض في أي تفاصيل أخرى).
و بعد 5 أيام من ترويج بطولات النظام المهزوز و يقظة أجهزته و تطور وسائله، على مواقع المخابرات و قنواتها الإذاعية و التلفزيونية، جاء في موقع “صحراء ميديا” (طويل الأذرع و دقيق المعلومات عادة): “أفادت مصادر خاصة “لصحراء ميديا” اليوم الخميس (04/02/2016) أن معلومات استخباراتية أمريكية كانت وراء كشف خيوط شبكة تهريب المخدرات الدولية الاسبوع الماضي في موريتانيا. وقالت المصادر إن الامريكيين أبلغوا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال مشاركته في قمة أديس أبابا بوجود باخرة في عرض المحيط الاطلسي محملة بالكوكايين، وتستخدم قوارب صغيرة لنقل الشحنة إلى السواحل الموريتانية”.
بعد هذه المعركة الطاحنة و الباخرة و الزوارق و عدد من سيارات الدفع الرباعي، كأن الدنيا تغيرت في لحظة من حال إلى آخر ، تمت إحالة 13 شخصا فقط إلى قاضي التحقيق :
هذا هو دائما ما يفعله النظام الموريتاني : يتم إبلاغه من جهات غربية نافذة فيقلب الدنيا ليبدي لها أن الموضوع يستغفله و يرعبه، ثم يبدأ في امتصاص حماس الرأي العام شيئا فشيئا حتى لا يفطن الغربيون لتواطئه ، ثم يحيل عدة أشخاص فقط للقضاء ، تتم تبرئة ثلثين منهم بعد فترة تقاضي طويلة ينسى خلالها الجميع كل شيء و يعفي الرئيس في أول مناسبة عن المحكومين الإثنين أو الثلاثة المتبقين.(70 متهما بالمخدرات تم إطلاق سراحهم في عهد عزيز) .
هكذا حدث في كل الحالات الخطيرة التي عرفتها موريتانيا في مجال المخدرات: ملفات كبيرة و خطيرة، تظهر فجأة على السطح سرعان ما يتم طيها و يجد المتهمون فيها طريقهم إلى الحرية؛ هذا بحذف اسمه من المحاضر و ذاك ببراءة و ذلك بعفو و هكذا دواليك في نفس الدوامة بطريقة أصبحت “استاندار” لدى أجهزة الأمن و القضاء.
و لكي نحيط بالموضوع من جميع جوانبه، يظل من الأهمية بمكان أن نشير إلى هذا المرسوم الذي سبق تفجير القضية بتسعة أيام (علما بأن أجهزة النظام احتجزت الفنزويلي غارسيا الذي أدلى بكل المعلومات عن المجموعة الأخيرة، قبل شهرين، من دون الإعلان عن توقيفه): “اجتمع مجلس الوزراء يوم الخميس 21 يناير 2016 تحت رئاسة صاحب الفخامة السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية.
وقد درس المجلس وصادق على (….) :
مشروع مرسوم يتضمن إنشاء صندوق للمساهمة في محاربة المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية.
ـ يهدف مشروع المرسوم الحالي إلى إنشاء صندوق دعم يختص بجمع منتوج بيع الأموال المصادرة في إطار الإجراءات الجنائية المتبعة بتهمة جرائم مخالفة التشريع المتعلق بالمؤثرات العقلية.
وسيمكن هذا الصندوق من تعزيز قدرات المصالح المعنية بمكافحة المخدرات عن طريق مدها بموارد مالية خاصة”.
فهل كان هذا المرسوم ضمن الاستعدادات المعدة لتفجير القضية أي أن السلطات الموريتانية كانت على علم من كل شيء، عكس ما تؤكده تصريحات مسؤوليها؟ و إذا صح هذا، ألا يبقى الاحتمال قائما من أن تكون هناك لعبة، كان ينبغي أن يكون لها ضحايا كما حدث بالضبط؟ ثم ألا يكون احتمال تأمين هذه الشحنة الثمينة أكثر ورودا الآن من ما نسميه إحباط عملية تهريبها؟ حين تكون السلطة طرفا ـ كما يظهر اليوم بوضوح من خلال تصرفات الحكومة الموريتانية ـ كيف نأتمنها على إحراق هذه الكميات و كيف نصدق محاضرها المعدة على المقاس و التي تتغير معطياتها كل يوم؟
كل أسرار المخدرات أصبحت واضحة للجميع لكن أسئلة الصحافة (المهددة بالسجن و التغريم) ما زالت تهاب أن تتحول إلى أحكام قطعية بتورط أعلى هرم السلطة في أسفل الجرائم الاجتماعية.
و قد كانت رسالة الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونا ولد هيدالة (1980 ـ 1984) إلى الرئيس ولد عبد العزيز، بتاريخ 09/02/2016، تحمل اتهاما مبطنا (من خلال رده على كلام وزير الداخلية)، برعاية النظام للمخدرات، و فبركة القضايا على المقاس (و هو شخص مشهود له بالصدق و الصراحة حد السذاجة) حين يقول في رسالته “إن تجارة المخدرات قد ترسخت في موريتانيا منذ عقدين من الزمن ومنذ ذلك الحين لا تمر سنة دون أن تتم مصادرة عدة شحنات وكشف عدة عمليات، متسائلا “لماذا يتم التنصيص على أولادي دون غيرهم؟”. (و 20 سنة هي عمر انحراف نظام ولد الطائع بعد تحكم مجموعة الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز فيه قبل الإطاحة به و استمرار نفس المجموعة من بعده) ، متسغربا و مستفسرا عن سبب عدم اعتقال “المتهم الرئيس” في القضية الذي قال إنه “معروف جيدا ومتلبس”، على حد تعبيره.
و قد تحدثت الصحافة عن تورط أسماء كبيرة في أعلى هرم السلطة و رجال أعمال، أظهرت التحقيقات علاقاتهم بالملف و يتم التكتم عليهم من قبل أجهزة التحقيق.
و قد هدد المتهم سيدي محمد ولد هيداله بالتوقف عن التجاوب مع المحققين ما لم يحضروا مستشار الرئيس أحميده ولد أباه و 3 متهمين مالين، ادعى أن المستشار أحميده تدخل قبل أسابيع للإفراج عنهم و السعي لتوريطه بدلا منم
و كان ولد هيداله يشير هنا إلى عصابة الماليين المشهورة كيكوص و الناني البيظاني و أعمر ولد أحمد البربوشي الذين اعتقلتهم شرطة مكافحة المخدرات يوم 22 سبتمبر و أفرج عنهم في غفلة من الجميع كما يفعل النظام مع جميع أمثالهم من كبار تجار المخدرات !!؟
و كان موقع تقدمي قد تحدث في 5 أكتوبر 2015 عن تفاصيل عودة خلية كيغور (كيكوص) إلى نواكشوط و تقديم الرعاية لها من قبل مستشار الرئيس أحميده ولد أباه مقابل رشاوى بلغت 400 مليون أوقية و سيارة v8 و جاء في الموقع، أن ولد اباه أعد لكل واحد منهم بانفراد، لقاء خاصا مع الرئيس ولد عبد العزيز . و لا يفوت أي غبي أن الجبان أحميده ولد أباه الذي يخاف من ظله، لا يستطيع ترتيب لقاءات لتجار مخدرات معروفين من الجميع و أصحاب سوابق لدى الأمن الوطني و الجزائري و المالي، مع ولد عبد العزيز من دون أوامر من الأخير، لكن مهمة أحميده و غيره من مستشاري و عمال القصر هي الاستعداد الدائم لتحمل و تولي مسؤولية أي فضيحة في القصر، تصل بأي طريقة إلى مسامع الناس .
و حسب مصدر موثوق، فقد زارت شخصيات موريتانية هامة من أعلى هرم السلطة، مساء الأربعاء 03/02/2016 في حدود الساعة صفر، (قبل يوم من تقديمه للمحاكمة)، المتهم سيدي محمد ولد هيداله أثناء توقيفه في مفوضية مكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية ، بترتيب من المفوض محمد ولد النجيب و التقوا في مكتب المفوض في سرية تامة. و كان من اللافت أن المتهم سيدي محمد ولد هيداله الذي يعرف كل تفاصيل علاقة ابن الرئيس بدر بالمخدرات، لم يتطرق إلى سيرته للمحققين . فمقابل ماذا تعهد سيدي ولد هيداله لولد عبد العزيز بعدم التطرق لسيرة ابنه؟
النظام الموريتاني يعطل كل آليات الشفافية و يرفض أي تحقيق مستقل في موضوع المخدرات و يستعمل كل الوسائل القذرة للتأثير على القضاة و الجناة، في حين يستخدم كل الترسانة القانونية الحامية لأعراض الأشخاص لإرهاب كل من يتكلم عن الموضوع. و هذا يعني بكل بساطة أن القانون الموريتاني أصبحت مهمته الوحيدة هي حماية هذا العالم القذر الذي امتد في كل الاتجاهات العمودية و الأفقية في هذا البلد المغلوب على أمره.
كانت في القانون الأمريكي مادة تقول “يحق للأمريكي أن يحصل على الدولار بأي طريقة” استمر العمل بها حتى بداية الثمانينات من القرن الماضي، استجلبها ولد الطائع بعد رمي التشريعات الأمريكية لها كما تأتينا كل بضائعهم المستعملة.
و كل ما كان يؤمن به ولد الطائع من تراث الماركسية الهجين هو مقولة “الدين أفيون الشعوب”. و يبدو واضحا أن فهم ولد الطائع لـ”خطورة ” القيود الدينية و نجاعة مواجهتها بالأفيون هو ما مكنه من قيادة البلد أكثر من 20 سنة رغم سذاجة تفكيره و بساطة فهم ميكانيسمات تحكمه.
لقد عملت فرنسا بمهارات عالية و بسبق إصرار وترصد و سوء نية، على تدمير إفريقيا. و كان هذا التوجه يحتاج إلى طحن النخب التنويرية و تحكيم نخب انتهازية بلا شروط و لا موانع و لا أخلاق ، فكان ولد الطائع و ولد عبد العزيز (لم يكمل تعليمه الابتدائي) و بوكاسا و إيدي آمين دادا و موسيفيني، وقاهر الأنهر الدكتور الحاج يحيى جامي (لم يكمل تعليمه الإعدادي)، و غيرهم من المعتوهين الذين حظوا برعاية فرنسية خاصة و استقبلوا في باريس على البساط الأحمر استقبال الأبطال إكراما لمساهماتهم الفعالة في تدمير شعوبهم و العبث بكل مقدسات الحياة الكريمة. و لا تزال فرنسا حتى اليوم ترفض الاعتذار لهذه الشعوب المعذبة في الأرض عن دورها في حماية و تحكيم هذه الشخصيات المعتوهة التي تبرعت للميتروبوليتين بتدمير القارة.
و إذا كانت الأنظمة الفرنسية بمثل هذا التوجه تمارس غريزة “الدولة شر لا بد منه” بتفنن و تمتع ، فإن الإعلام الفرنسي (الحر) لم يكن في يوم من الأيام غير ذراع هذا الشر، المبرر لكل أعذار الدولة بما هو أقبح من كل ذنوبها.
إن التاريخ المشترك لفرنسا و مستعمراتها، مسلسل مآسي بلا نهاية من الجرائم ضد الإنسانية، لا تطفئ فرق إنقاذه نيرانها في مكان إلا لتشعلها في آخر و لا تكشف فيها حقيقة إلا لتقتل أخرى أهم منها أو تبرر ثالثة ـ في الطريق ـ أخطر منها.
و في كل الأحوال يظل أكبر ذنب ترتكبه فرنسا و الإعلام الفرنسي في حق هذه الشعوب هو بلا شك، عدم شعورهما بالذنب.
على من يريد أن يعرف اليوم من يرعى المخدرات و من يتحكم في أزرار هذه اللعبة مشفرة الأسرار في موريتانيا، أن يسأل المخابرات الفرنسية التي تتحكم في أضخم جهاز مخابرات في القارة (فرانس ـ آفريك) و تجند طابورا كاملا من الضباط و المسؤولين السامين في أهم الدوائر الحساسة فيها و تتنقل أجهزتها السرية (علنا) للتحقيق مع كل متهم مهم يتم القبض عليه في القارة. لكن، و هنا مربط الفرس، يخطئ من يعتقد أن الأنظمة الغربية فوق الاتهام أو يمكن بأي حال أن تخرج من قاع أي لعبة قذارة في القارة:
ـ هل تستطيع فرنسا و أجهزتها أن تتجاهل أو تدعي أنها لا تعرف أن إسقاط الرئيس الموريتاني المنتخب ، سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي ساهمت فيه بقوة، بذريعة عجزه عن مواجهة الإرهاب، كان بسبب إصراره على فتح تحقيق شفاف و مستقل في قضية طائرة المخدرات التي حطت حمولتها على مدرج مطار نواذيبو 2007؟
ـ حين اتهم النائب الفرنسي نوييل مامير ولد عبد العزيز برعاية المخدرات في المنطقة (في حلقة من برنامج “28 دقيقة” في المحطة الألمانية ـ الفرنسية (Arte) بتاريخ 21 يناير 2013 ، حول موضوع الأزمة في مالي)، كان كلامه دقيقا و صريحا و جازما : “هل تتصورون أن الجهاديين سيتبخرون و أنهم لن يلجئوا إلى موريتانيا حيث يوجد رئيس يرعى تهريب المخدرات”؟ لقد كان مامير يتحدث عن ما ستكون عليه الأحوال اليوم، فهل تثبت أحداث المرحلة الحالية صحة كلامه، بعد إطلاق ولد عبد العزيز في أواخر يوليو الماضي، سراح حسين كيغور و مجموعته (الناني و روجييه) التي تم القبض عليها في ـ في 22 سبتمبر 2015 و الضالعة حتى النخاع في ملف المخدرات و المطلوبة من قبل جل دول المنطقة و الإفراج عن الناطق باسم حركة أنصار الدين، سدنه ولد بوعمامه في 3 أغسطس 2015.. و إطلاق سراح رجل الأعمال المالي و بارون المخدرات الحاج أحمد ولد إبراهيم الذي قبض عليه مع مجموعة من المهربين في يوم 06 مارس 2015 من قبل فرقة من الدرك الموريتاني، بعد مطاردات شاقة على الحدود المغربية.
و كان كلام مامير أيضا يعتمد على وقائع ماضية لا لبس فيها :
ـ ففي 26 من شهر فبراير 2010 اشتبكت وحدة من الجيش الموريتاني مع قافلة من المهربين تتولى عناصر تابعة لتنظيم القاعدة تأمينها قرب بلدة “لمزرب” على الحدود الموريتانية المالية شمال البلاد. وقد أدى الحادث إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح اثنين واعتقال 21 شخصا، بينما جرح جنديان موريتانيان. و تمت مصادرة 6 سيارات عابرة للصحراء محملة بعدة أطنان من المخدرات و كمية معتبرة من الأسلحة وأجهزة الاتصال ومبالغ مالية . و تم توجيه أخطر التهم إلى المجموعة : المشاركة في تجمع منشأ بهدف القيام بأعمال إرهابية، والمساس المتعمد بحياة الأشخاص وسلامتهم واختطافهم واحتجازهم، وتقديم إعانات ووسائل أخرى لمرتكب عمل إرهابي، وتهريب ونقل المخدرات ذات الخطر البالغ، ليتم الإفراج عن جميع أعضائها ضمن صفقة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تم بموجبها الإفراج عن الرهائن الإسبان الثلاثة المختطفين على طريق نواكشوط ـ نواذيبو و تم الحديث عن تقديم 22 ألف أورو مقابل كل فرد.
ـ في 10 فبراير 2013 ، استطاع الموقع الالكتروني الموريتاني “موريويب” (Mauriweb) الحصول على مقابلة مع النائب نويل مامير حول اتهاماته الخطيرة للرئيس الموريتاني و حول سؤالهم “هل تعون خطورة هذه القضية و على أي وقائع تعتمدون في توجيه مثل هذا الاتهام للرئيس عزيز؟” قال مامير : “أؤكد لكم فحوى تصريحي حول الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز و الذي لا يتجاوز كونه مجرد تأكيد لما هو معروف”. و ذكَّر النائب الفرنسي بالعلاقات المضطربة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، و بالتحديد العفو الرئاسي الذي أصدره في حق تاجر المخدرات المشهور إيريك والتير آميغان (Eric Walter Amégan) الذي تم تسليمه سنة 2009 من قبل السنغال للسلطات الموريتانية في قضية أخجلت القضاء الموريتاني حين برأت محكمة الادعاء كل المسجونين في قضية آميغان ـ ولد السوداني في 15 فبراير 2011 . و كان ولد عبد العزيز حينها يدير دفة الحكم في البلاد . يقول النائب مامير “لقد استفاد المتهم الرئيسي (إيريك والتير آميغان من عفو رئاسي خفف عقوبته من 15 إلى 10 سنوات، قبل أن يظهر طليقا في 11 يوليو “2011 (!؟) .. و يضيف مامير “في هذه القضية المريبة حظي إيريك بعطف غير مفهوم من قبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز”. و مثل هذه العلاقات ـ يقول مامير ـ تماما مثل العلاقة التي تربط ولد عبد العزيز بالقنصل العام لغينيا بيساو، تلف علاقات ولد عبد العزيز بحجاب كثيف ، مضيفا “لم يعد بالإمكان عد زيارات حمدي بشرايا، القنصل العام لغينيا بيساو (البلد الذي تحول إلى طاحونة دوارة للاتجار بالمخدرات) للقصر الرئاسي في نواكشوط و هو أمر يطرح أيضا تساؤلات عديدة يقول النائب الفرنسي مامير. و لا يبخل ولد عبد العزيز على القنصل العام لبيساو بالصفقات العمومية تحت غطاء شراكة مع شركات إسبانية مثل “أتيرسا فوتوفولتاييك” (Atersa photovoltaique) التي تم تدشينها آنذاك من قبل وزيركم الأول ، يضيف النائب الفرنسي مامير. و أضاف مامير””مع الأسف، كما تعلمون، هناك عدد من الحكام في شبه المنطقة متورطون بشكل مباشر أو غير مباشر في كل أنواع التهريب المربح، المهدد للاستقرار السياسي الضروري لبلدان يكفيها ما تعانيه من فقر”..
و تأكيدا لما قاله مامير، جاء في تصريح للدبلوماسي الموريتاني السابق أحمدو ولد عبد الله المكلف بقيادة مركز التفكير حول أمن منطقة ساحل الصحراء (le Centre/4S)، التابع للأمم المتحدة، في نهاية شهر أغسطس 2012 أن “إرهابيي القاعدة في المغرب الإسلامي (Aqmi) ليسوا سوى وسطاء لمهربين متواجدين على طول امتداد خليج بنين، مضيفا أن “الشبكات على مستوى أعلى هرم السلطة في كل بلدان المنطقة كثيرة” و قال “لديَّ أسماء و اللائحة طويلة…”
و في إطار حملته المضادة، استقبل الرئيس الموريتاني (في منتصف إبريل 2013) السناتور الفرنسي جاني لورجو (Jeanny Lorgeoux) بالقصر الرئاسي بنواكشوط. و أدلى الأخير للصحافة، بعيد خروجه من اللقاء، كما هو مألوف، بكلمة مقتضبة قال فيها إن تهمة المتاجرة بالمخدرات التي وجهها البرلماني نويل مامير غير “مقبولة” و وصفها بأنها “لا تخدم العلاقات الموريتانية الفرنسية”.
لقد كان هذا التأكيد بالنفي (“لا تخدم العلاقات الموريتانية الفرنسية”) رائعا، أدبيا و دبلوماسيا (و هو بعد يعشقه الفرنسيون في ثقافتهم) لكن الثقافة الفرنسية لم تعد تحرك غير ذيلها الأجرب في زمن الابتذال السياسي.
و حين يتكلم السيناتور الفرنسي عن العلاقات الموريتانية الفرنسية يثير خلطا كبيرا يحتاج إلى توضيح، فعلاقات موريتانيا بفرنسا ليست هي علاقات نظام ولد عبد العزيز بنظام هولاند و علاقاته بنظام هولاند ليست هي علاقاته بنظام ساركوزي . و ما أثار تصريحات نويل مامير النارية ضد ولد عبد العزيز ليس هو ما يأتي بالسيناتور المحترم جاني لورجو من بعيد لتضميد ما خلفت من آثار بالغة: لقد حاول الاشتراكيون الفرنسيون الحصول على مقابلة مع صندوق القذافي الأسود السنوسي، الذي كان حينها مرتهنا عند ولد عبد العزيز لتفجير فضيحة تمويلات القذافي لساركوزي في وجه الانتخابات الرئاسية التي كانت حينها على الأبواب، فرفض ولد عبد العزيز مراهنا على نجاح جناح صديقه الحميم ساركوزي لا وفاء له، فأطلق مامير تلك التصريحات. و لكي تسمع حقيقة المرأة دعها تتشاجر مع جارتها.
نحن هنا أمام نمط صغير من الأنظمة لا معنى في قواميسهم السياسية للمصالح العليا للأوطان و ليس فيهم من يرى أبعد من أنفه : في يناير 1992، أثار انتباه الشرطة الفرنسية حمل ثلاجة في الشحن الجوي من البرازيل إلى موريتانيا عبر باريس ، فاكتشفوا عند فتحها 4 كغ من الكوكايين، فأشعروا السلطات الأمنية في نواكشوط بالموضوع و تم القبض على تاجر موريتاني عند محاولة استلام ثلاجته من قسم الشحن في المطار (هي كانت أول شحنة جوية يتم ضبطها في البلد)؛ ما لا تفهمه الشرطة الفرنسية أن تاجرا موريتانيا لا يسجن بسبب 4 كغ من الكوكايين و ما لا تفهمه أكثر أنه سواء استلم بضاعته تلك مقابل رشوة أو صادرتها الأجهزة الأمنية في مسرحية متقنة، ستصل بعد أسابيع إلى عمق فرنسا عبر مناء رُوَن أو ميناء لاس بالماس . فأين تذهب حسب اعتقاداتكم أطنان الكوكايين و الكانابيس التي تصل موريتانيا كل يوم؟
فرنسا هي ـ حسب ميديا بارت (Mediapart.fr) ـ البلد الذي يسجن فيه أكثر بسبب الإتجار و تعاطي الحشيش (100.000 موقوف 2015) و هي أكثر بلد يتم فيه تدخين الحشيش . ألا يكفي هذا للتأكيد على فشل المقاربات الأمنية للبلد في المجال ؟ إن مكافحة المخدرات تتم أولا من دول المصدر و دول الترانزيت . و قد تحولت موريتانيا بموقعها المميز و بعد تحديد الخط السريع “آـ10 (L’autoroute A10) إلى أشبه ببلد مصدر فتنقل المخدرات بين الشواطئ الفينزويلية و نواذيبو أصبح أسهل من تنقلها بين المدن الفنزويلية الداخلية . و لو كانت الأجهزة الفرنسية تعي أن المخدرات هي المغذي الأول للإرهاب في المنطقة ، لما ساهمت في إسقاط الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بذريعة العجز عن مواجهة الإرهاب ، بسبب إصراره على كشف حقيقة المخدرات في البلد . إن الأجهزة الفرنسية تكذب على شعبها .
المميزات التي تحول موريتانيا إلى مكان مثالي لعمل الفريق الأقوى:
تتصل موريتانيا بالخارج من خلال مطارها الرئيسي (مطار نواكشوط) وفي موريتانيا 8 مطارات أخرى قياسية معبدة إضافة إلى 18 مهبطا غير معبد و أكثر هذه المطارات و المهابط أصبح اليوم مهجورا بعد توقف الرحلات الداخلية للخطوط الجوية الموريتانية التي تم إفلاسها في جريمة “أخرى” لا تخرج عن نفس إطار (السيطرة و التحكم). و كل هذه البنية التحية منذ زمن الاستعمار. و هناك الآن مهابط كثيرة غير معروفة العدد بالضبط تم إعدادها من قبل الجيش و أخرى من قبل شركات التنقيب عن البترول و المعادن تم هجر أكثرها هي الأخرى بسبب انتهاء أعمال تلك الشركات أو تحولها إلى مناطق بحث أخرى. كما توجد في موريتانيا مهابط طبيعية على امتداد السلسلة الجبلية المعروفة يمكن إعدادها و تأهيلها بأقل تكلفة و في وقت قياسي لمن يحتاجها.