في ظل جائحة كوفيد-19 وما صاحبها من ركود اقتصادي وخسارة آلاف العمال لاعمالهم نجد أن البطالة اصبحت تسيطر على المشهد. ومع تراجع الوباء وعودة الحياة الى طبيعتها تدريجيًا نجد ان الحصول على عمل بات أمرًا بالغ الصعوبة، ناهيك عن أن الوساطة والرشوة تسهمان في زيادة الأمور سوءًا، فتغدو عملية إيجاد العمل المناسب الذي يلبي حاجات الفرد والأشخاص الذين يعيلهم في ظل هذه الظروف أشبه بالمهمة المستحيلة.
يعتبر الاطفال المتضرر الاول من بطالة الاسرة فيرتفع معدل التسرّب المدرسي في عائلات العاطلين عن العمل مقارنةً مع عائلات العاملين، حيث يتأثّر الأطفال عاطفياً، وعقلياً، وجسدياً، ومن ناحية أخرى قد يصبح الأبناء والزوجات أكثر عرضةً للإيذاء الجسديّ من قِبل العاطل نفسه.
في منطقة كارفور بمقاطعة عرفات في العاصمة انواكشوط يخرج محمود من بيته في السادسة صباحا حتى السادسة مساءاً، يقضى ساعاته بين اللحوم كجزار. ليعود بقوت الاسرة التي أصبح ينفق عليها منذ ان فقد والده عمله ولم يستطع العثور على عمل جديد.
يقول محمود :
"حين اعود للبيت في المساء لا استطيع ان ارتاح الا بعد ان اراجع لاخوتي الصغار فلاجل دراستهم تخليت عن دراستي في الجامعة. منذ ثلاثة اشهر من الآن عدت من الجامعة فناداني ابي واخبرني بنيته الرحيل بنا الى البادية حيث بيت والده رحمه الله، فهو لم يعد يستطيع دفع ايجار البيت ومصاريف مدرسة الاطفال رغم ان المبلغ المدفوع زهيد جداً الا انه لم يستطع الحصول على عمل منذ فترة طويلة ونفدت منه الحلول. بت ليلتها مثقلا افكر في حل احافظ به على دراسة اخوتي وعلى استقرار الاسرة ليقيني ان الذهاب الى البادية ليس في مصلحتنا ابداً.
في صباح اليوم الموالي اخبرت ابي بان يعدل عن قراره لاني سأجد الحل، قررت ان أترك الجامعة واعمل وان اضحي بمستقبلي مقابل المحافظة على مستقبل اخوتي.
اخبرني ابي ان الجزارين يبحثون عن مساعدين بأجر معقول لكنهم رفضوه لكونه لم يعد شاباً ولايستطيع القيام بعملهم الشاق على اكمل وجه، وفعلاً وجدت لديهم عملاً ومع الايام اصبحت اتقنه واجني ما احتاجه، ورغم ذلك لا اجد ضيراً في تلبية مطالب عائلتي سوى الحرقة التي خلفها ابتعادي عن الدراسة."
تؤثر البطالة على كل أفراد الأسرة، فقد تكون سببًا في تشتّتهم وضياعهم؛ لانشغال الأب في البحث عن مصدر للرزق وعدم قدرته على تأمين احتياجات أسرته، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى توجُّه بعض أفراد الأسرة لسلوك طرق غير سويّة لتفريغ معاناتهم وربما للحصول على المال. كما هو الحال مع الطفل م.د 14 سنة الذي خرج للتو من مفوضية القصر في عرفات2 اذ تقول امه والدمع على خدها :
" خرج ابني كما هو الحال كل يوم للعب مع رفاقه ولكنه تاخر عن العودة في موعد الغداء وبينما انا ابحث عن طريقة لايجاده جائني اتصال من المفوضية يخبرني انه عندهم لسرقة قنينة غاز هو وبعض رفاقة ذهبت اليهم على الفور لتسلمه خوفاً من ان يعرف والده فقد اصبح عصبياً منذ ان اصبح عاطلاً عن العمل. اضافت ن.أ اعلم ان ارتكاب ابني لهذا الفعل لديه اسباب عده منها تردي اوضاعنا المادية بسبب البطالة فهي السبب الاساسي لتركه الدراسة وايضا عصبية والده وغضبه عليه حين يطلب منه شيئا من حاجياته. اتمنى ان يجد زوجي عملاً ليعود الأولاد لمدارسهم و لتستقر احوالنا."
تعليقا على الموضوع الاستاذ سيديا احمد موسى أستاذ لغة انجليزية في كلية الآداب والعلوم الانسانية بانواكشوط والناشط المدني في المنظمة الموريتانية للمساعدة والتضامن الاجتماعي ودعم حماية البيئة
" يعد مشكل الفقر من أهم العوامل التي تأثر علي نمو الأطفال وتشكيل شخصياتهم وتوجهاتهم في المستقبل، الطفل الذي يولد في أسرة ليس لديها مصدر دخل ثابت معرض لمخاطر كثيرة مثل التسرب المدرسي، العمل في سن مبكرة، الإنحراف، التشرد. في بلادنا تلجأ الكثير من الأسر إلي إستخدام أطفالها كمصدر للدخل مما يؤدي إلي حرمان الطفل من عيش طفولته وتحمل مسؤوليات أكبر من سنه.
مشكل تاثير بطالة الاطفال على الاسر موجود ومطروح بشدة خصوصا في بلادنا حيث ترتفع نسبة عمالة الأطفال دون سن البلوغ وتقل نسبة المتواجدين علي مقاعد الدراسة وهو ما زاد في نسبة الإنحراف لدى القصر فمعظم الجرائم التي تحدث مأخرا منفذوها قصر. يجب ايجاد حل جذري وعلى أكثر من صعيد واحد فالعوامل التي أنتجت المشكل متعددة منها ماهو إقتصادي وإجتماعي وثقافي. في نظري الحل يأتي عن طريق برامج دمج وتطوير مهارات للأطفال العاملين أو المتنازعين مع القانون و ترسيخ ثقافة تعلم الأطفال بين الفئات الهشة وسن قوانين تفرض عل من هم دون سن البلوغ التواجد علي مقاعد الدراسة وتقديم مشاريع مدرة للدخل لأسرهم.
المجتمع المدنى هو حجر الأساس في عملية تثقيف و بناء المجتمعات فهو عبارة عن كيانات مدنية تساعد و تحث السلطات علي دفع عجلة التنمية. لذلك يقع الجزء الأكبر من حل هذا المشكل على منظمات المجتمع المدني لأنها هي من يجب أن يقوم بعمليات الرصد والتبليغ والمطالبة بحقوق هذه الفئات كما يجب عليها إنشاء برامج من أجل إيواء ومساعدة الأطفال ضحايا البطالة والعمل مع مؤسسات الدولة من أجل مكافحة تضخم مثل هذه المشاكل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في المنظمة الموريتانية من أجل المساعدة والتضامن الإجتماعي ودعم حماية البيئة، قمنا بإقتراح برنامج من أجل الحد من عمالة الأطفال ودعم التمدرس عن طريق دعم ربات وأرباب الأسر الفقيرة وذلك بإنشاء وتطوير برامج صغيرة مدرة للدخل وقابلة للتوسع على شرط أن يقوم المستفيدون من البرنامج بإرجاع أطفالهم إلي مقاعد الدراسة ومراقبة تحصيلهم العلمي ولكن للأسف حتي الساعة لم نتلقى أي تجاوب من السلطات أو الجهات المانحة سواء الدولية أو المحلية.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.
بقلم الأستاذة حنان احمد لولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق